الاثنين، 6 يناير 2014

لا شر يهدد موريتانيا أكثر من الانتهازية والغلو والتكفير والتجارة بالدين …. أحمدو ولد بداها أحمدو ولد بداها

 السلام عليكم ورحمة الله !
أثار المقال المعنون بـ"الدين والتدين ولمعلمين" ردود فعل مستاءة وغاضبة في أغلبها بالنسبة للعالم الافتراضي، ومع أن بعضا من ردود الفعل هذه ظل يهاجم المقال وصاحبه انطلاقا من شعور صادق ورفض مبدئي لأن يطال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قلم بغض النظر عن خلفياته في المعالجة التي يتفضل بها،
 إلا أن بعضا آخر كان يعمل، كما اتضح جليا، على أن يستغل ذلك الشعور الطيب والمشروع لأغراض سياسية مشبوهة، فطفق يكيل التهم ويصم ويشهر ويكفر من عمل على تصويرهم بأنهم الجهات التي كانت وراء كتابة المقال المذكور، مصورا الأمر على أنه هجمة شرسة ومنظمة هدفها معاداة الإسلام والمسلمين، في نوع من الانتهازية يدل على مدى التحامل والكراهية التي تسوق تيارا سياسيا ظل يعلن تمسكه بمدنية الدولة وإيمانه الراسخ بالديمقراطية ليفاجأنا بجميع أصواته "الوديعة" والحمقاء على حد سواء بأن "هناك جهة تنظم هذه الرسائل القاسية وتحدد الأشخاص وتختار التاريخ والمناسبة والرسالة الملائمة للوقت، والوجوه التي ستمرر عن طريقها هذه الرسالة.."، مؤكدا أن الأمر يمثل محاولة ممن يعتبرها "طليعة مَن صمم على نشر الإلحاد والكفر في تلك الربوع الإسلامية، وتشجيع حياة الهيام والرعاع الذين لا يفقهون قولا ولا يهتدون سبيلا، يجس النبض بهم، ويسبر إمكانية المواصلة في طريقه المشؤوم" !!، قاصدا من ذلك التدليل على "وجود تيار تكفيري أصيل في الدولة والمجتمع"!!
 وبذهنية تنم عن سوء طوية وتفكير تشمئز منه العقول السليمة يذهب كاتب مقال "ويل لموريتانيا من شر قد اقترب" إلى إقحام القهوة التونسية في الموضوع بوصفها حاضنة لـ"سهرات المنكر والشرر المتطاير"، وموقع أقلام حرة الذي جزم الكاتب بأنه متهم هو الآخر بدوره في ما يحاك، ليخلص بعد ذلك إلى أن "التيار اليساري في موريتانيا يتحمل المسؤولية الأخلاقية في نشر هذين المقالين، إن لم تكن المسؤولية الجنائية" !!، وهل تزر وازرة وزر أخرى؟!!
 وشر البلية ما يضحك!، القهوة، ومؤسسة أقلام الإعلامية، والتيار الوطني التقدمي، كل أولئك يصبحون بجرة قلم من فتى يافع مغرور في طائلة المسؤولية الأخلاقية والجنائية، عن وجهة نظر شخصية يعلن صاحبها صراحة مسؤوليته عنها!
 لنتجاوز فما أغنانا وأغناكم عن محاورة مقال تافه ومهلهل لغويا، وغير منسجم فكريا ولكنه الشر الذي لا بد منه!.
 ما علاقة مئات الشباب الموريتانيين من الأطر والدكاترة والمهندسين ورجال الأعمال الشباب والمواطنون العرب المقيمون في موريتانيا من رواد القهوة التونسية بمشكلة صاحبنا مع التيار التقدمي؟!، وكيف وجد المساكين أنفسهم في خضم معركة التواصليين مع اليسار؟!
 وكيف للكاتب أن يجعل من القوة التونسية هدفا وهي التي وفرت لنا ما عجزنا عن توفيره لأنفسنا وهو ذلك المجال الرحب الذي نحس فيه بدفء الحضن التونسي الشقيق الذي نكن له الكثير، ونعترف له بعديد من الفضائل التي له علينا، بدأ من وقوفه مع مشروع دولتنا حين كانت تواجهه إكراهات الاعتراف وإثبات الوجود، وقبل ذلك حتى مما لا تزال الآثار والشواهد ناطقة به، مما ليس لنا أمامه إلا إن نتواضع إجلالا وإكراما لكل ما له علاقة بتونس الخضراء وخاصة هذه القهوة التي تلعب أدوار عظيمة فيما يعرف بالدبلوماسية الموازية، وهو ما لم نعهده في بلادنا إلا عند المراكز الثقافية الأجنبية والإذاعات الأولى التي ساهمت في بلورة وتطوير الوعي لدى قطاعات عديدة من الشباب الموريتاني.
 ولا شك أن أقلام حرة هي الأخرى ظلت منبرا لكل من يريد أن يعبر عن رأيه إسلامويا كان أو سلفيا أو قوميا، أو يساريا، معارضا أو مواليا... من دون استثناء ولا قص ولا استبعاد ولا إقصاء، مما أتاح لنا كمتابعين أن نتعرف على أصوات عديدة ظلت محاصرة قبلها من طرف مواقع عرفت بتوجاتها وكتابها الذين لا تنشر لغيرهم إلا لماما، بالإضافة إلى أنها كانت أبعد ما تكون من الارتهان السياسي لأي كان وإنما كانت تعامل الكل تقريبا على نفس المستوى.
 ومع أن كاتب المقال المذكور جانب الصواب حين رام تصوير القهوة التونسية "ملاذا للمنكر والشر"، وتحامل تحاملا واهيا على أقلام التي لم تنشر المقال لوحدها، وإنما بقي، بعد أن أخلت مسؤوليتها، على صفحات مواقع أخرى لا يزال على بعضها إلى اليوم!! إلا أنه كرر نفس الخطإ أيضا حين رام مني اتخاذ مطية لتعضيد ما ذهب إليه بشأن اليسار وعلى رأسه حزب تقدم في فهم مثير للضحك يلتبس على صاحبه الاندفاع الذي يستبد به مع الدفاع الذي حملني مسؤوليته وأنا منها براء!!
 ولكي أساعده في الخروج قليلا من غمة الاندفاع فإنني أرشده إلى العودة إلى صفحتي الشخصية والتي لم أتعود حذف أي شيء نشرته بها مهما كان حجم اختلافه مع التعليقات التي تأتي عليه، ومهما كانت متحاملة ومتهجمة على شخصي بدلا من نقاشه او مشهرة ومكفرة على أساسه وهو ما نلت منه حظا وافرا من النشطاء التواصليين مؤخرا، لكن الحمد لمن يستحق الحمد على أن الدين له وليس بيد تيار انتهازي تكفيري، وسيخرج حينها، أن تغلب على الاندفاع واستبعد "تهمة" الدفاع، بأنني لم ارم سوى أن أعبر عن رأي حول مقال تصدر اهتمام ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالحديث عن السياق الذي تنزل فيه وهو السجال حول قضية لمعلمين من الدين، وهو نقاش، كما ظللت أصدح على إخوانه ومن معهم من دون طائل، أبتدأ منذ فترة وكان الكاتب نفسه قد كتب فيه مقالا قبل مقاله الأخير، وهو معنون بـ"رسالة إلى الإخوة لمعلمين"، ولم أتبن أي رأي أو تحليل أو مقاربة وردت في المقال المذكور.
 وقد بذلت قصارى جهدي للفت النظر إلى ذلك والعمل على المشاركة انطلاقا منه، كما بينت مواقفي وهي موجودة ومثبتة على صفحتي، وحذرت من إقحام أي تيار سياسي في ما يريد "الإخوان" به تسويق محاولاتي فنشرت ثلاث منشورات منفصلة، أحدها عن تاريخ تعامل اليسار الموريتاني مع الثوابت الوطنية، وثانيها في توضيح غياب أي رابطة للحزب بآرائي الشخصية التي أعبر عنها، وثالثها عن التحليل السائد لدى التيار العريض من الرفاق في نفس الحزب عن القوى الإسلامية في البلد ممثلة في حزب تواصل بما هو جزأ من المعارضة التاريخية، كل ذلك من أجل أن أبين لمن هم على شفى الوقوع في "المحذورات"، ولأستذكر المشترك السياسي، لكن هيهات لأن التواصليين أعماهم هوس التكفير وغرهم سراب الانتهازية فراموا ابتذال الفرصة وهم مدفوعون بوضعهم السياسي المريب، لكن من المؤكد أن الفرصة لم ولن تحين، لأننا في أقدم تيار وطني عرفته البلاد بعد الاستقلال ظلت معركتنا دوما ضد الامبريالية العالمية والتخلف والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي، وتركز جهدنا عبر تاريخنا الطويل على الوقوف المبدئي الثابت مع قضايا الوطن والمواطن، ولم نستدرج يوما لخوض معارك أو صراعات جانبية لا تخدم الأهداف النبيلة والمبدئية لنا كقوة وطنية أصيلة، وعصية على التصفية.
 آمل أن تتضح للقارئ، الذي هو من دفعني إلى كتابة الرد أصلا، ملابسات ما تم تسويقه له، وتهافت ما ذهب إليه التواصلي من تحميل المسؤولية للتيار التقدمي العريق في هذا البلد والوطني حتى أطراف أصابعه، والانتهازية التي ساقتهم إلى محاولة تشويه حزب "تقدم" من خلال ذلك، وما تعرضت له أنا شخصيا من تشهير وتكفير على أيديهم لا يجد ما يتأسس عليه إلا الفهم السقيم والروح التكفيري المتأصل والانتهازية السياسية الغالبة والعدائية المتأصلة في نفوس "الإخوان" لكل ما يمت بصلة للقيم الحداثية والتقدمية، وهو ما يسهم فيه تكلس وسكونية فكر أغلبهم في مرحلة الانقسام العالمي التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة والسجال الايديولوجي الذي كانت القوى الإسلاموية فيه تتغذى على ما تقدمه لها القوى الامبريالية العالمية والرجعيات العربية، وهي تخوض حربا مسلحة اليوم في أكثر من نقطة من العالم ضد الجيوش والدول والمكتسبات التاريخية للشعوب العربية.
 ولا يمكنني هنا أن أنسى تهنئة الدولة الموريتانية على "يساريتها" التي ما كان لي أن أتلفظ بها قبل ما تفضل به التواصلي، ومن يحملونها المسؤولية اليوم هم من كفروا أعلى هرم بها حين تعرض لمسألة "اللحية" الشهيرة بانواذيبو، وذلك حين أقاموا مهرجانا كانت كل خطاباته تكفيرا وغمزا ولمزا من لدن شخصيات وازنة تختلف جذريا في المكانة والرمزية عن التي جعلتني هدفا اليوم، وهو ما يشي بأنهم جميعا، وبشكل منظم فعلا لا ادعاء، يتربصون الدوائر بالجميع ليوقعوهم في شرك التكفير والاستهانة بالمقدسات، وعندها يهنؤون بالمغنم المتمثل في التكفير الممنهج للخصوم!!

 وقبل الختام أحيي الشعور الديني الصادق وأجدد الاعتذار عما إذا  كان بدر مني ما يسئ لمقدساتنا جميعا كمسلمين "عاديين"، وخاصة المتصوفة الذين عرفوا بحبهم وإجلالهم وتقديرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما يشهد عليه تراثهم الديني والأدبي الغني والراقي، على عكس من يوغلون في إظهار تبنيهم لذلك في حين أن تجارب حية لبعض إخوتهم عرفت عنها مسلكيات مناهضة تماما لذلك وليس من أقلها قدرا تحريم تداول شعر البرعي المعروف بمديحياته الرائعة في قطر من الأقطار الاسلامية الحاضرة عند هؤلاء بقوة، ولعل عيد المولد النبوي الشريف الذي يطل علينا هذه الأيام سيكون خير شاهد على موقفهم كقلة في المجتمع الإسلامي عامة والموريتاني خاصة، وسنحتفل جميعا بمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وسينزوي "الوهابيون" و"الكارهون للنبي" في زاوية مظلمة هذا اليوم!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق