قرية (الكرامة) لا يطاوع النوم جفنيها الُمسهدين و يتعاظم ألمها يوما بعد يوم ، تحيطها عاديات الزمن إحاطة السوار
بالمعصم، هنا حيث تعيش معاناة التاريخ و الحاضر و يسير الزمن بخطى وئيدة٬ و أكثر ما يثير دهشتك صمود
الإنسان و ارتباطه بالأرض ، و كأنها سر وجده و سر بقاءه .
إذا جئت إلى (الكرامة) ستتهافت على مخيلتك صور تمزج فيها آلام الماضي التي لا تقبل التواطؤ
مع النسيان ، و ظلم الحاضر و الخوف على المستقبل ، و رغم الوجوه التي تترجم
الإجهاد و تنبئ عن النسيان ، ستستقبل بحفاوة كبيرة ، و بالترحيب و التهليل و بسط
ما في الكف بما تيسر بدون تكلف و لا تلكؤ
، لكن الحس الأمني يبقى حاضرا حتى تحظى بمن يجعلك تكسب الثقة .
زرت قرية الكرامة لأنني لاحظت أن سوق المدينة من الخضروات المحلية يتم
تغذيتها من القرى المجاورة ، و أن أسعار الخضروات تنزل في البقالات بمجرد دخول
باعتهم إلى السوق ، و عند خروجهم تعود إلى الارتفاع .
يشترك السكان في كل شيء ، فكل شيء
يكون على شكل تعاونية ، و يتفقون على كل الشؤون و لا يؤثر ذلك على خياراتهم
السياسية ، يقول (الزاكي ولد أميلك: مسؤول القرية ) الذي أصبح مضرب المقل في
الثبات على المواقف، إننا نعيش كمجتمع موحد ، و لكل واحد منا حريته الشخصية في
اختيار رأيه السياسي
و خلال الزيارة جمعت معلومات لم تكن في الحسبان:
1-
يتعاونون على أجرة إمام المسجد
الذي يدرس الصغار القراءة و الكتابة ، و يحفظهم القرآن العظيم ، و يدرس الكبار
الأحكام الفقهية .
2-
في القرية قسم للتثقيف المدني افتتحته منظمة غير حكومية ، يقوم بتوعية الكبار حول القانون وحقوق الإنسان ، و حقوق
المرأة و حقوق الطفل ، و الصحة الإنجابية ، و التثقيف الصحي حول الوقاية و التطعيم
و متابعة الحوامل .
3-
في القرية متجر برأس مال مشترك ، تتبادل النساء في تسييره ، و يحتوي على
المواد الأساسية التي يشتريها سكان القرية ، ويتم توفيرها من مدينة مقطع لحجار ...(صاحبة
الصورة) هي المسيرة الحالية ، و هي ذات ثقافة واسعة ، تتقن الكتابة و القراءة ، و
تحفظ أجزاء من القرآن ، و هي التي أعطتني جميع المعلومات .
4-
في القرية تعاونية زراعية للخضروات
تغطي نسبة من حاجة المدينة ، و يعمل فيها النساء أكثر من الرجال ، فمن عادة القرية
، أن يذهب الرجال في الصباح إلى المدينة للعمل في الأعمال المختلفة ، أو يسافروا
إلى مدن أخرى بينما يتقسم النساء بين (انديات في المدينة) أو ري التعاونية ، أو
تسيير الأعمال المنزلية .
5-
في القرية مدرسة مكتملة ، لكن الأهالي يطالبون بتوفير معلمين متفرنسين ،
لأنهم كما يقولون يلاحظون أن أبناءهم كثيرا ما تتعثر دراستهم لضعفهم فيها ، لأن
مدرسيها المتوفرين غير متخصصين.
لم أقض الكثيرمن الوقت في القرية ، لكنني ذهبت بصورة متكاملة تعكس المعاناة
و القدرة على التأقلم على حد السواء ، كما أن طبيعة الكرم المتأصلة في نفوس سكان
القرية فرضت علي قبول هدية ، و هي كمية و الخضروات و النعناع ...
كانت فرصة للتداول مع الناس في شؤون
حياتهم و طريقة حسمها بنفوس راضية، كما كانت فرصة لمعانقة نظر الأفق و الاستماع
إلى صمت الطبيعة البكر ، و الحديث مع نفوس طيبة تتعاطى الفضائل بالفطرة ، و ترضى
بالقضاء ، و لتبقى أسئلة كثيرة لا تزال تنتظر الإجابة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق