الجمعة، 27 مارس 2015

من تجمعات مقطع الأحجار.... قرية (الكرامة)

قرية (الكرامة) لا يطاوع النوم جفنيها الُمسهدين و يتعاظم ألمها  يوما بعد يوم ، تحيطها عاديات الزمن إحاطة السوار بالمعصم، هنا حيث تعيش معاناة التاريخ و الحاضر  و يسير الزمن بخطى وئيدة٬ و أكثر ما يثير دهشتك صمود الإنسان و ارتباطه بالأرض ، و كأنها سر وجده و سر بقاءه .
إذا جئت إلى (الكرامة) ستتهافت على مخيلتك  صور تمزج فيها آلام الماضي التي لا تقبل التواطؤ مع النسيان ، و ظلم الحاضر و الخوف على المستقبل ، و رغم الوجوه التي تترجم الإجهاد و تنبئ عن النسيان ، ستستقبل بحفاوة كبيرة ، و بالترحيب و التهليل و بسط ما في الكف بما تيسر  بدون تكلف و لا تلكؤ ، لكن الحس الأمني يبقى حاضرا حتى تحظى بمن يجعلك تكسب الثقة .

زرت قرية الكرامة لأنني لاحظت أن سوق المدينة من الخضروات المحلية يتم تغذيتها من القرى المجاورة ، و أن أسعار الخضروات تنزل في البقالات بمجرد دخول باعتهم إلى السوق ، و عند خروجهم تعود إلى الارتفاع  .
 يشترك السكان في كل شيء ، فكل شيء يكون على شكل تعاونية ، و يتفقون على كل الشؤون و لا يؤثر ذلك على خياراتهم السياسية ، يقول (الزاكي ولد أميلك: مسؤول القرية ) الذي أصبح مضرب المقل في الثبات على المواقف، إننا نعيش كمجتمع موحد ، و لكل واحد منا حريته الشخصية في اختيار رأيه السياسي  

و خلال الزيارة جمعت معلومات لم تكن في الحسبان:
1-    يتعاونون على  أجرة إمام المسجد الذي يدرس الصغار القراءة و الكتابة ، و يحفظهم القرآن العظيم ، و يدرس الكبار الأحكام الفقهية .

2-    في القرية قسم للتثقيف المدني افتتحته منظمة غير حكومية ، يقوم بتوعية  الكبار حول القانون وحقوق الإنسان ، و حقوق المرأة و حقوق الطفل ، و الصحة الإنجابية ، و التثقيف الصحي حول الوقاية و التطعيم و متابعة الحوامل .
3-    في القرية متجر برأس مال مشترك ، تتبادل النساء في تسييره ، و يحتوي على المواد الأساسية التي يشتريها سكان القرية ، ويتم توفيرها من مدينة مقطع لحجار ...(صاحبة الصورة) هي المسيرة الحالية ، و هي ذات ثقافة واسعة ، تتقن الكتابة و القراءة ، و تحفظ أجزاء من القرآن ، و هي التي أعطتني جميع المعلومات .
4-    في القرية  تعاونية زراعية للخضروات تغطي نسبة من حاجة المدينة ، و يعمل فيها النساء أكثر من الرجال ، فمن عادة القرية ، أن يذهب الرجال في الصباح إلى المدينة للعمل في الأعمال المختلفة ، أو يسافروا إلى مدن أخرى بينما يتقسم النساء بين (انديات في المدينة) أو ري التعاونية ، أو تسيير الأعمال المنزلية .
5-    في القرية مدرسة مكتملة ، لكن الأهالي يطالبون بتوفير معلمين متفرنسين ، لأنهم كما يقولون يلاحظون أن أبناءهم كثيرا ما تتعثر دراستهم لضعفهم فيها ، لأن مدرسيها المتوفرين غير متخصصين.
لم أقض الكثيرمن الوقت في القرية ، لكنني ذهبت بصورة متكاملة تعكس المعاناة و القدرة على التأقلم على حد السواء ، كما أن طبيعة الكرم المتأصلة في نفوس سكان القرية فرضت علي قبول هدية ، و هي كمية و الخضروات و النعناع ...



كانت فرصة للتداول مع الناس  في شؤون حياتهم و طريقة حسمها بنفوس راضية، كما كانت فرصة لمعانقة نظر الأفق و الاستماع إلى صمت الطبيعة البكر ، و الحديث مع نفوس طيبة تتعاطى الفضائل بالفطرة ، و ترضى بالقضاء ، و لتبقى أسئلة كثيرة لا تزال تنتظر الإجابة .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق