الأحد، 10 مارس 2013

مذكرات ثورة ضد العطش ( الحلقة السادسة)


برق خلب ..( نشر بتاريخ 14‏/03‏/2012 )
  بقلم : الأستاذ : زكرياْ ولد عينين
ذات مساء غائم من تسعينات القرن الماضي لاح برق في الأفق ، برق يشي بأن ماء زلالا سينهمر سحا على أزقة قريتنا ، فرحنا كثيرا و انتابنا إحساس غامر بأنه ماء أبدي سرمدي و أن أيام الدلاء الرمادية و حمل الماء على الهام والأيدي  قد ولى إلى غير رجعة ...... كان ماء ثجاجا ابيض رقراقا ، و إن كان لأهل الصحة فيه نظر ، إلا أنا ما فكرنا يوما في ما قالوا ، حسبنا أن نجد الماء لا غير ، و ليكن بعدها ما يكون ..... مرت أعوام كثيرة على ماء أروى ظمأ الناس و الشجر و الدواب.
و ذات صباح من شهر أيار يختلف عن كل الأصابيح التي سلفت ، مدت عجوز يدها على عادتها لتفتح حنفيتها  ... فتحتها و انتظرت و طال انتظارها ... لم تجد الماء !! تمتمت : عساه خيرا ... تصورته حدثا عابرا  ، خلل في الحنفية أو عطب في شبكة التوزيع ، نادت جارتها القريبة باحثة عن الماء و مستفهمة عن حاله ، فردت عليها : لم ترشح حنفيتنا اليوم بقطرة ماء .... و تكرر السؤال نفسه مع بقية الجيران و بتكراره تكررت الإجابة ذاتها  ....حينها بدأ القيل و القال.
بحيرتكم نضبت ، يقول البعض ، و ما الذي جعلها تنضب ؟ أهو الإفراط في استخدامها و سوء تسييرها ؟ أم مرت بها فيالق يأجوج و مأجوج بعد طول تيه في الصحراء فأروت بها ظمأها ؟
بحيرتكم سطحية جدا ، يقول آخرون ، تماما كآبار التي حفروا في الماضي ، لا يوجد فارق ،  تمتلئ حين يغص السهل في الماء خريفا ، و تنضب و تجف حين يحل السراب فيه محل الماء صيفا .
ماؤكم كان ظرفيا موسميا ، يقول آخرون ، كان بطعم الانتخابات لا غير ، قبلها مشروع عملاق ككل المشاريع العملاقة و بعدها يؤول إلى الضعف و الخور ، تتناهشه العلل ، زيادة مفرطة في نيترات الفضة و نقص حاد في الكالسيوم ، و انتفاخ في الغدة الدرقية تجعله بين الحياة و الموت.
و يلمع البرق ثانية أشد وهجا و أسطع سنا ، فإذا بنا نسمع أن الحال ما عاد كالحال  الأول ، مشروع الماء الماضي كان ضحكة ، و حتى الضوء الذي نستنير به كان مجرد لعبة ، بل و الماضي بأكمله  كان لعنة.... أشرق فجر جديد ... لا فساد لا مفسدين بعد اليوم ... المال مال الشعب لن يصرف إلا في مصالح الشعب ، فالموظفون الجدد بلا خزائن ، بلا حقائب ، حتى بلا جيوب .. و ستشربون قريبا ستشربون.
بهذا الموال الأخير غنى رئيس دولتنا على منصتنا و بين أظهرنا ، وعلى صدى صوته الشجي تمايل البعض ، و إن كان تمايله على ظمأ .... قطع الرئيس وعدا حدده بالسنة  و ما بعد السنة إلا الشرب ، ظنناها تنتهي بعد عام من قولها ، فقيل لنا بل بدء من تاريخ التنفيذ ، و هاهو عام يمر على بدء التنفيذ طويلا عطش زاد من لأوائه شح الأمطار هذا العام و شبح صيف مهول كوحش كاسر يتربص بالناس و الأنعام. و أكوام من الأنابيب وضعت أمام أعيننا تكميما لأفواهنا ، و أخدود يفغر فاه على امتداد أربعين ميلا ، لا أدري أينتظر أم تلقم فيه الأنابيب إن أمكنها أن تزاحم الرمل ؟ أم يرتجي أن يبس الأشجار على جنباته حتى تصير وقودا وويل لمن وصله الأخدود يومها.
تظاهر شبابنا لتأخر المشروع فاعتبروا خارجين على الجادة ، لذعتهم سياط ذويهم قبل سياط الإدارة .. قيل لهم ربما تأخر المشروع لأن بعض لوازمه لم تكتمل بعد أو أن تمويله صرف على الخطة الاستعجالية نظرا للجفاف ، و هو كلام يستسيغه بعض البله و السذج ، أو بلغة من خبروا السياسة: لابد أن نولي على المولاة فسر نسياننا في غيرها. و بين شد و جذب يلمع برق أخيرا أقل وهجا و أضعف نورا و ينام الناس بعد ليل طويل من الانتظار ليفتحوا أعينهم على صبح لم تتضح أسارير وجهه و على برق خلب لا وبل فيه و طل 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق