برق خلب ..( نشر بتاريخ 14/03/2012
)
بقلم
: الأستاذ : زكرياْ ولد عينين
ذات مساء غائم من تسعينات القرن الماضي لاح
برق في الأفق ، برق يشي بأن ماء زلالا سينهمر سحا على أزقة قريتنا ، فرحنا كثيرا و
انتابنا إحساس غامر بأنه ماء أبدي سرمدي و أن أيام الدلاء الرمادية و حمل الماء
على الهام والأيدي قد ولى إلى غير رجعة
...... كان ماء ثجاجا ابيض رقراقا ، و إن كان لأهل الصحة فيه نظر ، إلا أنا ما
فكرنا يوما في ما قالوا ، حسبنا أن نجد الماء لا غير ، و ليكن بعدها ما يكون .....
مرت أعوام كثيرة على ماء أروى ظمأ الناس و الشجر و الدواب.
و ذات صباح من شهر أيار يختلف عن كل الأصابيح
التي سلفت ، مدت عجوز يدها على عادتها لتفتح حنفيتها ... فتحتها و انتظرت و طال انتظارها ... لم تجد
الماء !! تمتمت : عساه خيرا ... تصورته حدثا عابرا ، خلل في الحنفية أو عطب في شبكة التوزيع ، نادت
جارتها القريبة باحثة عن الماء و مستفهمة عن حاله ، فردت عليها : لم ترشح حنفيتنا
اليوم بقطرة ماء .... و تكرر السؤال نفسه مع بقية الجيران و بتكراره تكررت الإجابة
ذاتها ....حينها بدأ القيل و القال.
بحيرتكم نضبت ، يقول البعض ، و ما الذي جعلها
تنضب ؟ أهو الإفراط في استخدامها و سوء تسييرها ؟ أم مرت بها فيالق يأجوج و مأجوج
بعد طول تيه في الصحراء فأروت بها ظمأها ؟
بحيرتكم سطحية جدا ، يقول آخرون ، تماما
كآبار التي حفروا في الماضي ، لا يوجد فارق ،
تمتلئ حين يغص السهل في الماء خريفا ، و تنضب و تجف حين يحل السراب فيه محل
الماء صيفا .
ماؤكم كان ظرفيا موسميا ، يقول آخرون ، كان
بطعم الانتخابات لا غير ، قبلها مشروع عملاق ككل المشاريع العملاقة و بعدها يؤول
إلى الضعف و الخور ، تتناهشه العلل ، زيادة مفرطة في نيترات الفضة و نقص حاد في
الكالسيوم ، و انتفاخ في الغدة الدرقية تجعله بين الحياة و الموت.
و يلمع البرق ثانية أشد وهجا و أسطع سنا ،
فإذا بنا نسمع أن الحال ما عاد كالحال
الأول ، مشروع الماء الماضي كان ضحكة ، و حتى الضوء الذي نستنير به كان
مجرد لعبة ، بل و الماضي بأكمله كان
لعنة.... أشرق فجر جديد ... لا فساد لا مفسدين بعد اليوم ... المال مال الشعب لن
يصرف إلا في مصالح الشعب ، فالموظفون الجدد بلا خزائن ، بلا حقائب ، حتى بلا جيوب
.. و ستشربون قريبا ستشربون.
بهذا الموال الأخير غنى رئيس دولتنا على
منصتنا و بين أظهرنا ، وعلى صدى صوته الشجي تمايل البعض ، و إن كان تمايله على ظمأ
.... قطع الرئيس وعدا حدده بالسنة و ما
بعد السنة إلا الشرب ، ظنناها تنتهي بعد عام من قولها ، فقيل لنا بل بدء من تاريخ
التنفيذ ، و هاهو عام يمر على بدء التنفيذ طويلا عطش زاد من لأوائه شح الأمطار هذا
العام و شبح صيف مهول كوحش كاسر يتربص بالناس و الأنعام. و أكوام من الأنابيب وضعت
أمام أعيننا تكميما لأفواهنا ، و أخدود يفغر فاه على امتداد أربعين ميلا ، لا أدري
أينتظر أم تلقم فيه الأنابيب إن أمكنها أن تزاحم الرمل ؟ أم يرتجي أن يبس الأشجار
على جنباته حتى تصير وقودا وويل لمن وصله الأخدود يومها.
تظاهر شبابنا لتأخر المشروع فاعتبروا خارجين
على الجادة ، لذعتهم سياط ذويهم قبل سياط الإدارة .. قيل لهم ربما تأخر المشروع
لأن بعض لوازمه لم تكتمل بعد أو أن تمويله صرف على الخطة الاستعجالية نظرا للجفاف
، و هو كلام يستسيغه بعض البله و السذج ، أو بلغة من خبروا السياسة: لابد أن نولي
على المولاة فسر نسياننا في غيرها. و بين شد و جذب يلمع برق أخيرا أقل وهجا و أضعف
نورا و ينام الناس بعد ليل طويل من الانتظار ليفتحوا أعينهم على صبح لم تتضح
أسارير وجهه و على برق خلب لا وبل فيه و طل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق