أزمة مقطع لحجار في عيون الأدباء( الاثنين, 16 أبريل
2012 )
بقلم: سيد محمد بن ابيطات
إذا كان الماء هو أصل الحياة وسر ديمومتها بالنسبة لجميع الناس، فإنه عند
الأدباء لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى أبعاد أخرى تتفتح لها مواهب الشعراء،
وتتيح لهم مجالات من التصوير الفني تضفي على أدبهم رونقا جماليا تدب به الحياة في الشعر،
كما تدب الحياة في ذوات الروح بالماء.
الماء عند الأديب هو أصل الصفاء في الوجود، ومنه ينبعث صفاء النفوس:
أنا كالماء إن رضيت صفاء ... وإذا ما سخطت كنت لهيبا
وللمبالغة في صفاء الماء شبهوه بالفضة المتلألئة:
والماء حولك فضة رقراقة ... والشمس فوقك عسجد يتضرم
وللماء إذا برد مكانة خاصة عند الشعراء، تحضرهم عند حالات الرضا والسعادة
واللذات:
غيّ التصابي رشاد والعذاب به ... عذب لديّ كبرد الماء للصادي
كان أبو العتاهية في جماعة من الشعراء عند بعض الملوك، إذ شرب رجل منهم
ماء، ثم قال: برد الماء وطاب، فقال أبو العتاهية: اجعله شعرا، ثم قال: من يجيز هذا
البيت؟ فأطرق القوم مفكرين، فقال أبو العتاهية: سبحان الله وما هذا الإطراق؟ ثم قال:
برد الماء وطابا ... حبذا الماء شرابا
أما إذا اختلط الصفاء مع البرد، فإن الإحساس يكون أحلى وأعظم:
إذا وضح الصواب فلا تدعه ... فإنك كلمكا ذقت الصوابا
وجدت له على اللهوات بردا ... كبرد الماء حين صفا وطابا
ويمثل الماء مع الشجر جنة الدنيا للأدباء وسائر الناس، تسرح فيها النفوس
وتمرح:
ثلاثة تجلو عن القلب الحزن ... الماء والخضرة والوجه الحسن
وقد وصل حد التمتع بهذه الجنة لدى بعض الأدباء أن ألهته عن الحبيبة، فها
هو حسين بن شهاب الدين الشامي يقول:
إن تهجريني فإني عنك في شغل ... من لذة العيش حيث الماء والشجر
ولأن الماء عنصر ذو خصائص متعددة، فقد أبدع الشعراء في التصوير المرتكز
على هذا العنصر، ومن ذلك تشبيههم من خاب سعيه بالقابض على الماء:
فأصبحت مما كان بيني وبينها ... سوى ذكرها كالقابض الماء باليد
وقالوا في الأمر لا قيمة له: يشبه مضغ الماء ليس له طعم ولا معنى، وجعلوا
لعق الماء أشد من ذلك، فوصفوا صاحبه بالأحمق، فقالوا: أحمق يمطخ الماء، أي يلعقه.
وللأدباء ماء خاص بهم يجري بينهم وبين حبائبهم، يقول تويت اليمامي:
افعلي بي يا ربة الخدر خيرا ... ومن الماء شربة فاسقيني
قالت: الماء في الركى كثير ... قلت: ماء الركي لا يرويني
طرحت دوني الستور وقالت: ... كل يوم بعلة تأتيني
هذا الماء هو ماء الصبابة الذي ينبع من الشوق، قال بشار:
ماء الصبابة نار الشوق تحدره ... فهل سمعتم بماء فاض من نار؟
الأدباء ينحازون إلى المقطع العطشان:
المقطع اليوم ينادي بلسان حاله قائلا:
يا حسرة الماء قد سدت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود
ولم يناد المقطع هذا النداء، وقد صفا له ما تيسر من الماء، إلا بعد أن
وعى قول الشاعر:
ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... ولو كان لون الماء في العين صافيا
وإذا كان الشاعر قديما قال:
إلى الماء يسعى من يغص بريقه ... فقل أين يسعى من يغص بماء
فإن أهل المقطع اليوم لم يغصوا لا بالماء ولا بالريق، بل غصوا بالعطش الذي
شبت ناره في الحناجر والبطون لشح المياه وندرتها.
وإننا على عتبة زيارة الرئيس نعلن بأننا أعجل إلى الماء من نعجة إلى حوض،
ولئن كنا في الماضي لسنا بأول من غره السراب، فإننا اليوم ننشد قول الشاعر:
الماء في دار (عثمان) له ثمن ... و(الخبز) أيضا له شأن من الشان
عثمان يعلم أن الحمد ذو ثمن ... لكنه يشتهي حمدا بمجان
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... ما لم يروا عنده آثار إحسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق