بقلم : الطالب مصطف ولد أحمد سالم
لقد كانت الضرائب وما
زالت تفرض بموجب القانون، وبما تمتلكه الدولة من سلطة قانونية وتشريعية وتفويض
اجتماعي؛ من أجل تحقيق مجموعة من الوظائف والأهداف الاجتماعية والاقتصادية، كما أن
هناك ضوابط وإجراءات لتسهيل جبايتها وتحديد الكيفية التي تجبى بها، وقد اجتهد
علماء القانون وخبراء الاقتصاد في وضع وتكييف القوانين المتعلقة بالضريبة، حيث
تكون ملائمة ومنسجمة مع الواقع، فتوفر مناخ ملائم للإستثمارات، ودعم التنمية
الاقتصادية وتعزيز دور الفرد في خدمة المجتمع وتنظيم العلاقات الضريبية وتحقيق
العدالة الاجتماعية.
كلها أمور تجعل من
الاصلاح الضريبي في الوقت الحالي أمرا لا مناص منه، فالقانون رقم 82-060 الصادر
بتاريخ 24 مايو 1982 يعتبر هو القانون الأساسي المنظم للضرائب في موريتانيا، مشكلا
بذلك أساس التقنين الجبائي، إضافة إلى هذا النص الأساسي توجد بعض التشريعات الجبائية
المتناثرة ضمن القوانين الأخرى كما هو الحال بالنسبة لمدونة التعدين، الأمر
القانوني المنظم لاستغلال المواد النفطية، القانون المنظم لقطاع الصيد والمراسم
المطبقة له، القانون الجمركي، مدونة الاستثمار..إلخ.
ورغم التغييرات العديدة
التي أجريت عليه ومحاولة الإصلاح، خصوصا بعد الإصلاح في نظام الضرائب غير المباشرة
من خلال إدخال الضريبة على القيمة المضافة 1994، فإن هذا النظام ما زال لم يساير
العصر بعد، ويتماشى مع متطلبات التنمية خصوصا في العهد الجديد ؛ موريتانيا
الجديدة، ومن هذا المنطلق فإن الواقع اليوم يتطلب إصلاح النظام الضريبي
الموريتاني، وخاصة إذا ما نظرنا إلى التقارير الصادرة عن إدارة الضرائب وكذلك
الكتلة النقدية المحصلة من طرف هذه الإدارة، ضف إلى ذلك الإصلاح الذي تتمتع به
الإدارة الموريتانية في الوقت الحالي، فقوة الإدارة السياسية وقدرتها على فرض
الإصلاح تعتبر ذات أهمية، فأي إصلاح جدي يتطلب أولا إدارة سياسية قوية وخاصة في
دولة كدولتنا التي استشري فيها الفساد وبلغ عنان السماء، فالإدارة السياسية هي
الضامن الفعلي للتطبيق الفعال للقوانين وتأمين التمويل، وإجراء تغييرات تكميلية من
الوجهة القانونية وعلى مستوى السياسات، فالأرقام الواردة من إدارة الضرائب تحث على
هذا الاصلاح؛
فإذا ما نظرنا إلى
الحصيلة الضريبة خلال السنوات الثلاثة الماضية نجد أنها في تحسن يجب دعمه وتشجيعه
فخلال سنة 2010 بلغت الارادات الضريبة 70 مليار لتبلغ في عام 2011 ما ينهاز 90
مليار أوقية لتصل في عام 2012 إلى أكثر من 133 مليار ، إن هذه الزيادة المستمرة
على مستوى الايرادات الضريبية يجب أن تحافظ عليها الدولة وتسعى إلى زيادتها،
فالضرائب هي أهم مورد لتمويل ميزانية الدولة محليا وهي أبهي صور التكافل وتوزيع
الثروة بين أفراد المجتمع، فكل ما نتخبط فيه من الفقر والتهميش يعود بالدرحة
الأولى إلى عدم توزيع الثروة بين أفراد المجتمع توزيعا عادلا، كل هذه الأساب تجعل
من موضوع الإصلاح ضرورة لا مناص منها، ولن يتحقق ذلك بدون اصلاح ضريبي شامل وكامل.
فكيف يمكن تطبيق هذا الإصلاح على أرض الواقع ؟ وما هي عوائقه؟
يعرف الاصلاح الضريبي بصورة
عامة على أنه " عملية تشمل تبسيط النظام الضريبي القائم من خلال تقليل عدد
الاسعار الضريبية وجعلها أكثر واقعة، وتوسيع الأوعية الضريبية مع استبعاد الفقراء،
والتخفيف عن كاهلهم بشكل يقلل من المصروفات الضريبية، ويفعل من النظام الضريبي،
ويجعله أكثر اتساقا وتناغما مع الأداء الداخلي المطلوب والتطورات الخارجية
المتسارعة ". فالإصلاح الضريبي مرتبط بإصلاح كل من النظام المالي و
الاقتصادي، فلا يمكن تطور الدولة، و مسايرتها للركب، والتماشي وروح العصر، بدون
تطور المنظومة الضريبية وإصلاحها، فهذا الاصلاح يجب أن يمر من زاويتين الأولى على
مستوى الإدارة، والثانية على مستوى النصوص القانونية المنظمة للقانون الضريبي،
فكيف يمكن ذلك؟
أولاـ على مستوى الإدارة
الضريبية
تعتبر الادارة الضريبية
من الإدارات ذات المهام الصعبة والمهمة في نفس الوقت، فمهامها صعبة حيث يناط بها
تطبيق القانون الضريبي، ومن هنا تنشأ العلاقات الصعبة والمتشابكة مع الملزمين
بأنواعهم المختلفة وإمكانياتهم وأنشطتهم المتعددة، وهي مهمة إذ يناط بها تحصيل
الإيرادات التي تستخدمها الدولة في تمويل نفقاتها، وعلى أساس ذلك فإن قوة هذه
الإدارة أو ضعفها يترتب عليه آثار عديدة قد تؤدي إما إلى احكام المراقبة والوصول
إلى حقوق الخزينة كاملة وإما إلى ضياع كثير من هذه الحقوق وإفلات كثير من الملزمين
وتهربهم من أداء التزاماتهم الضريبية،
وحتى تتماشى الإدارة مع
أي إصلاح ضريبي فإنه يجب أن يمر هذا الإصلاح منها، وبالنظر إلى تركبة الادارة
الضريبية الحالية وكيفية ممارستها لعملها يرى المتتبع أن هذه الإدارة بحاجة إلى
إصلاح حتى تتمكن من القيام بمهامها على أحسن وجه، فعلى الرغم من التحسن الذي طرأ
عليها في السنوات الآخيرة إلا أنها مازالت بحاجة إلى الموارد البشرية بحاجة إلى
أصحاب خبرة في المجال بحاجة إلى موارد بشرية كفئة، وحتى يتم تطور هذه الإدارة
وتحديثها يجب العمل بالتالي:
يجب خلق إدارت لكل من
الوعاء والتصفية وقباضات لتحصيل الديون الضريبية ومصالح للمنازعات الضريبية تابعة
للمديرة العامة للضرائب؛
يجب على الإدارة الضريبية
أن تعمل على التنسيق بين المصالح المركزية وباقي المصالح الأخرى للحد من ظاهرة
التهرب الضريبي؛
تكوين وتأهيل الموارد
البشرية للإدارة الضريبية؛
تحديث وسائل عمل الإدارة
الضريبية (الانتقال إلى الإدارة الإلكترونية).
وعلى مستوى علاقة الإدارة
الضريبية بالملزم فإن الإدارة أصبحت مطالبة بالعمل على خلق تواصل فعال بينها وبين
الملزمين فهو بيت القصيد في أي إصلاح وأهم طريقة لزيادة المردودية الضريبية، وهو
عامل أساسي في إقناع الملزمين وحثهم على أداء واجباتهم الضريبية، لذا يتوجب على
الإدارة الضريبية الموريتانية العمل على خلق منظومة تواصلية بينها وبين الملزمين.
ثانياـ على مستوى النصوص
القانونية
إن النصوص القانونية
الحالية المنظمة للقوانين الضريبية يجب إعادة النظر فيها وتنظيمها، فإصلاح هذه
النصوص يعتبر أحد الركائز والأعمدة الرئيسية للأي إصلاح، فهذه النصوص لها أهمية
كبيرة فيما يخص إعادة توزيع الدخل القومي، ولها وظائف اقتصادية و اجتماعية غاية في
الأهمية، فمن أين يأتي الخلل وما هي سبل القضاء عليه؟
من أجل القيام بإصلاح
ضريبي جدي وفعال لا بد من تخفيض العبئ الضريبي على الدخل ومدخلات الانتاج لتشجيع
الاستثمار والإنتاج والادخار وتخفيف أعباء الرسوم الجمركية على المواد الأولية
اللازمة للصناعة لتخفيض تكلفة الإنتاج، والعمل على إعفاء كل الصادرات التي تعتبر
مورد مهم لجلب العملات الصعبة، ويجب على الخصوص العمل على سن قوانين واضحة في هذا
المجال، ويجب النظر في بعض الضرائب والعمل على تكييفها حتى تتماشي مع الإصلاح،
فبالنظر إلى القانون العام للضرائب نجد أنه يقسم الضرائب إلى ضرائب مباشرة وغير
مباشرة ، وهو تقسيم كلاسيكي عفى عليه الذي أعفى على لبد ، يجب إعادة صياغة الضرائب
المباشرة وتقسيمها إلى ضرائب الدخل والضريبة على الشركات ؛
فقد آن الأوان لتتحول
الضريبة على الأرباح الصناعية والتجارية إلى ضريبة على الشركات ونتحرر من القيود
الوهمية ونقضي على بؤر الفساد ومداخله، فإنشاء ضريبة مستقلة على الشركات تستند إلى
وعاء ضريبي عريض وبمعدلات تنافسية طبقا للمعاير الدولية أمر في غاية الأهمية ومربط
الفرس في أي إصلاح مما يتيح مجالا كبيرا لتوسيع الوعاء الضريبي ومن الأفضل
الاحتفاظ بالنسبة الحالية لها 25% على الرغم من أنها من أقل النسب عالميا .....
كذلك يجب تقليص الإعفاءات وحصرها، إن الهدف من سن أي قانون ضريبي هو تحصيل الضرائب
وجلب عملة لخزينة الدولة فإلى متى الدولة تتجاهل هذه القضية ذات الأهمية الكبيرة ،
آن الأوان لإنشاء مدونة لتحصيل الديون الضريبية آن الأوان لغلق الباب أمام
المتهربين والمتلاعبين بالقانون ، آن الأوان لتفصيل التحصيل وتوضيحه ونزع اللبس
عنه آن الأوان لتحديد مدة التحصيل الرضائي ومدة التحصيل الجبري ومراحل كل منهم،
وفي الأخير فإن توسيع
الوعاء الضريبي والنظر في سياسة الإعفاءات وسن الضريبة على الشركات وإصلاح الإدارة
الجبائية كلها أمور في غاية الأهمية من أجل القيام بإصلاح فعلي وحقيقي للمنظومة
الحبائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق