لا يسعني وأنا أكتب هذا
المقال إلا أن أتوجه بخالص الإعتذار لصديقي وأخي التراد لأن كلامي بلغ منه مبلغا
عظيما على ما يبدو وخاصة حين خاطبته بـ"الصغير" ردا مني على تهجمه غير
المبرر على الرفيقة آمنة بنت المختار رئيسة رابطة النساء معيلات الأسر التي لم
يتورع عن إصباغ كلما استطاع تلقفه من الأوصاف السلبية عليها
وهي التي لم تغترف ذنبا
سوى أنها وقعت بيانا مع مجموعة من الحقوقيين يحيي وقف المد السلفي عند حدوده في
الشمال المالي ويدين ما بدر منه من عسف وإجبار لسكان أزواد على قيم ثقافية لا
علاقة لهم بها أصلا، ومحذرا في الوقت نفسه من انتقال الثقافة السلفية الجامدة إلى
موريتانيا التي تؤكد كل المؤشرات أنها حاضنة ملائمة لها، وهو وغيره من إخوته، على
ما كنت أعتقد غير معنين بالسلفيين ولا بالرد عنهم، أو أنها وجهت بيانا للرأي العام
الموريتاني يوضح وجهة نظرها بعد ما تعرضت له من سهام التواصليين خاصة، والتي كنت
شهيدا عليها من أول يوم أطلق فيه البيان كما قلت في مقالي السابق، وذلك حين عبر
عدة شباب من الحزب المذكور عن إداناتهم لـ"ليسار الموريتاني" في تعليقات
لهم على البيان، الأمر الذي جعلني أصنف مقال الأخ العزيز، حتى افترق مع صفة
"الصغير" المزعجة، امتدادا لذلك السعي غير البريئ، وهي تهمة على أي حال
لم يدفعها المعني عنه في مقاله الأخير من "كافه" إلى "ألفه"،
وإنما انصب كله على استشعاره لوقع وصفه بـ"الصغير" الذي أطلقته عليه،
مما يدل على أن الصفة لاقت وترا حساسا في نفسه ووجدت ما تتأسس عليه فعلا.
ومع أن المقال كان يدور
دورانا لولبيا على الصفة المذكورة فإنه أيضا حمل مؤشرات على أن أخانا العزيز لا
يفتأ في كل مرة يفكر فيها في تجريب امتشاق القلم يدخل حالة تشتت نفسي أرجو أن لا
تكون ناتجة عن "رهاب" أو "عصاب" مزمنين، فاستمع إليه أيها
القارئ الكريم حين يقول في مقاله الأخير: "كثيرة هي المحطات التى تجبرك فيها
الحياة على أن تكثف من جهودك في تلك المعركة المتواصلة مع نفس أمارة بالسوء"،
وفي مقاله الأول أيضا يقول: "و اقنعت نفسي (...) أن البيان كبوة جواد
حقوقي".
أرجو من كل قلبي أن
يتغلب أخي التراد على هذه الحالة المؤسفة والباعثة على الشفقة. ومن الحري بي بعد
هذا التنبيه أن أسأل الأخ العزيز عن سر اقتراضه لعناوينه من حدائق وحظائر
الحيوانات فتارة تلفى الكلاب عند عتبات نصوصه وتارة إذا بالفئران الوليدة تغدو
وتروح، هذا بعد أن لم تجد إشارتي له من خلال العنوان الأول الذي صغته من نفس
المرجع الذي يمتح هو منه؟!
وإذا كان الباعث على
ذلك هو تضمين أمثال عربية تليدة جريا وراء "الإكتناز الدلالي" فإن أخانا
العزيز لم يوفق فيه بل كان استطراده إلى ربط تلك الأيقونات التراثية بالنص مهلهلا
وينم عن تكلف كبير وعدم توفق يشعر معه القارئ أن صاحب النص مجبر على التكرار
واعتماد الحشو لكي يخلص إلى ما يريد: "كما أنى كنت أتوقع مقالا يقارع الحجة
بالحجة و يدحض الدليل بالدليل و يقابل الرأي بآخر، لكنى وجدت نفسي بعد الانتهاء من
قراءة رد كاتبنا الكبير أكرر: لقد تمخض الجبل فولد فأرا."، ونفس الشيء حصل في
مقاله السابق: "ذلك أن كل من يقرأ تلك الرسالة الموجهة إلى الرأي العام
سيتذكر المثل القائل: على نفسها جنت براقش".
كل ذلك ينضاف إلى أن
مثله ممن يلعبون أدوار احترام القارئ واستشعاره والاحتكام إليه عليهم ان يلموا
بأساسيات "التلقي" القائمة على مراعاة أفق انتظار القاريء.
ولكي لا أغادر إحدى
أكبر مغالطاتك أخي التراد التي أردت أن تتجاوزها بكلام معاد حول القارئ لم تتمكن
من تعضيده فعليا حتى أطلقت حكما لأنك غير واثق مما سيصدر بشأن ما أحلت إليه الحكم
فيه "و لا أظن أن ذاك الأسلوب متواضع ، أو تلك الأوصاف معيارية" فلكي لا
أغادر ذلك فإن متتاليتك التعبيرية التي تشتبه إلى حد كبير مع بعض الفنيات التي
يرزح الرئيس محمد جميل ولد منصور تحت نيرها: "صادما في وقته ، ركيكا في
أسلوبه ، جارحا في مضمونه ، مسيئا للمجتمع متنكرا للثوابت" كانت في غاية
المعيارية والتواضع، وقائمة على البهرج اللفظي الذي يحاول أن يبرر الإجترار والحشو
بمحسنات شكلية قيمتها الإبلاغية ضئيلة جدا إذا ما استثنينا ما يتركه وقع تراتبيتها
واشتباه بناها الصرفية والنحوية وتقارب حيزها الزمني في النطق من أثر موسيقي في
نفس المتلقي.
واستجابة لاستحلافك لي
بالله فإنني سأبين لك مسألة أخرى عز عليك استيعابها فيما يبدو:
أخي العزيز ألم تقل في
الفقرة الثانية من مقالك: "و كنت أستغرب حينها من ضيق صدر من يفترض أنهم حراس
حرية الرأي و التعبير ورفضهم لكل صوت انتقد بيانهم باحترام و عارضه بأدب"
تعني بذلك استغرابك لرد الرفيقة آمنة بنت المختار الذي وصفته بضيق الصدر على من
سددوا إليها سهامهم مما اعتبرته يا اخانا العزيز احتراما وأدبا.
إذن احتفظ عندك من هذه
في يدك اليمنى بـ"ضيق صدر" التي تعني إلغاء الرأي الآخر.
ثم قل لي هلا تتذكر
بأنك وفي حديثك عن النقطة الأولى التي استعرضت من الرسالة قلت: "زلة حقوقية
ترقى إلى درجة الكفر بأبسط مبادئ حقوق الانسان" تهكما منك في ما سماه البيان
ضرورة تمسك الأغلبية بلغتها وثقافتها الذي رأيت أنت أنه ليس ملائما في ظرفية حرب
يسقط فيها ضحايا ويشرد فيها آخرون.
إذن احتفظ عندك من هذه
في يدك اليسرى بـ"(الكفر) بأبسط مبادئ حقوق الإنسان"، أي عدم الاكتراث
لتمتع الإنسان بأبسط حقوقه.
والآن عزيزي هات يديك
مبسوطتين لنرى ما بهما.
إنه عبارة عن "ضيق
صدر" التي تعني إلغاء الرأي الآخر في اليد اليمنى، و"(الكفر) بأبسط
مبادئ حقوق الإنسان" التي تعني عدم الاكتراث لتمتع الإنسان بأبسط حقوقه في
اليد اليسرى.
ولست بحاجة لأن أذكرك
بأنك تستهجن هذا وترفضه وبالتالي عليك أن تربأ بنفسك عنه، أليس كذلك؟
جيد، لكن ماذا لو قلت
أنت نفسك عن البيان: ليس فقط " كان بمثابة صدمة يبدو أنني لم أكن على استعداد
لاستيعاب مثيلاتها " التي أفردتها أنا بالتعليق عليها واجتزأتها أنت التماسا
لخلاص لم يكتب لك، وإنما قلت لكي لا تتهمني بابتسار ما تقوله: "لا أذكر أننى
في الفترة الأخيرة تضايقت من شيء بقدر ما تضايقت منه، ذلك أنه كان بمثابة صدمة
يبدو أننى لم أكن على استعداد لا ستعاب مثيلاتها، فلم يكن من السهل بالمرة أن أقرأ
بيانا صيغ بلغة عربية و بأنامل موريتانية و كسي بطابع حقوقي، ثم أجد رائحة الميوعة
والحقد و التآمر تزكم أنفي، وتمنعنى من المتابعة"؟
أليس هذا أخي العزيز
"تضايقا" على الأقل إن لم يكن "ضيق صدر"؟
ثم أولا يعتبر الحق في
التعبير عن الرأي من أبسط مبادئ حقوق الإنسان؟
وهل يعني
"تضايقك" هذا من البيان الذي كان بمثابة صدمة لم تكن على استعداد
لاستيعاب مثيلاتها حرصا منك على هذا الحق البسيط أم تنكرا منك له؟
أرجو أن أكون قد أفلحت
في توضيح ما استعصى عليك.
ملاحظة: أنا أفضل وصف
أمر من هذا القبيل بالتنكر والاستخفاف بدلا من "الكفر" لأنها كلمة ذات
شحنة دينية ويمكن أن يوصم مستخدمها بالتكفيرية، خاصة وأن اللغة مليئة بالعبارات
الدالة على نفس الوصف غيرها.
وفي انتظار أن تستوعب
هذا فإني أشكرك على فورية مقالك الاخير إلا أنها، لعلمك، لم تفند ما ذهبت أنا إليه
من أن المقال كان يختمر في دواخلك منذ أن اطلعت على بيان الحقوقيين أي منذ 5 من
فبراير إلا أن تعليقك عليه لم ينضج قبل 24 من نفس الشهر وفعلا كما أشرت أنت فإنك
اتخذت البيان الموجه للرأي العام من رابطة النساء معيلات الاسر مطية له، ذلك أنك
أنت نفسك قلت: "أجل قد كان بيان المنظمات الحقوقية الأخير حول الحرب في مالى
، صادما في وقته ، ركيكا في أسلوبه، جارحا في مضمونه، مسيئا للمجتمع متنكرا
للثوابت ، و مع ذلك فقد تأقلمت مع هول الصدمة على مضض".
أما فيما يخص الفئة
(جماعتك السياسية) التي وصفتها في مقالك السابق بالحرص على تفهم البيان والقدرة
على مد يد العون لأصحابه، وعدت لتوضيح أمرها في مقالك الأخير فإنك لم تتوفق إلا في
إجلاء شطر واحد مما وصفتها به، وهو المتعلق بـ"التفهم" مع أن الرجوع إلى
نص استهلال بيان حزبك الذي أثبت لك في المقال السابق: "طالعنا في الآونة
الأخيرة بيانا صادرا عن بعض المنظمات الحقوقية أوغل في الاستهزاء بمشاعر المسلمين
في هذا البلد ومنظومتهم الأخلاقية" لا ينم عن شيء له صلة بالتقبل حتى.
وهذا ما كنت أتوقعه
منك، لأنك لم تسأل قيادتك، لئلا أكرر "أسيادك" التي نفرت منها، على حد
ما يفهم مما سطرت، إن لم يكن ذلك تعمية منك وتهربا، وذلك حين اعتبرت الأمر يتعلق
بتبصير بالخطأ وحرص على التفهم وتوضيح لنقاط الاختلاف الذي هو، من وجهة نظرك، مد
لليد من أجل التعاون المفضي إلى أرضية مشتركة، لكن هذا لا يتفق منطقيا فهيهات ما
بين "مد يد التعاون" التي تعني هنا و"مد يد العون" التي عنيت
هناك.
وللتوضيح أكثر
فـ"التعاون" له دلالة تشاركية أما العون ففتش عما يعنيه لعلك تفهم
الفرق.
وعودا على بدء فإنني
وكما أشرت سابقا كنت أظن أن الأخ العزيز وإخوته الآخرين غير معنيين بالرد على بيان
يعني السلفيين الذين احتلوا الشمال المالي، ولذلك فإن أسئلة اختتمت بها مقالي
السابق لا تزال تلح علي: فما دام البيان الذي أصدره الحقوقيون تمحور حول السلفية والسلفيين
فلم يستفز من أهدروا جل وقتنا في محاولة إقناعنا بأنهم "وسطيون"؟ أم أن
الأمر لا يعدو سوى تكتيك؟ وهل لنا أن نصدق من يذهبون إلى أن الفرق الإسلامية موحدة
الهدف والسعي وأن افتراقها الظاهري ما هو إلا ذر للرماد في العيون وتقاسم
للأدوار؟!
ولأنني لا
أريد أن أستبق الإجابة فإنني أفتش جاهدا عن الأهداف التي جعلت الإخوة التواصليين
ومن بينهم أخي العزيز التراد يتهجمون على المناضلة الحقوقية الرفيقة آمنة بنت
المختار وحدها من بين كل الحقوقيين الذين وقعوا البيان، هذا مع اني لا استبعد ان
من بين اهداف التهجم المذكور دافع الغيرة الذي يشعر به الإخوة حينما يفتشون في
أخواتهم فلا يجدون من بينهم من يمكن أن تضاهي رئيسة النساء معيلات الأسر في حضورها
في الساحة الحقوقية ومكانتها الوطنية والدولية وإرثها النضالي الممتد على مدى
عقود، كما أنه من المنطقي جدا أن يكون على أجندتهم السعي الى تقليم اظافر الرفيقة
آمنة بنت المختار كأمرأة عرفت بوقوفها إلى جانب النساء فيما يتعرضن له خاصة على
أيدي المحافظين الذين لا يفقهون كثيرا في أدبيات احترام المرأة والذين يمارسون
عليها الاطهاد بصنوفه المختلفة مؤيدا بتأويلات لا تحترم المرأة وإنما تحدد لها
مكانة مغموطة تنتقص مواطنيتها بل وآدميتها حتى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق