صادفت، وأنا أتصفح ـ كعادتي ـ ما تتحفنا به المواقع
الإلكترونية الوطنية على مدار الساعة من أخبار ومقالات؛ موضوعا منشورا في موقع
"موريتانيد" المحترم، تحت عنوان "بلدة مكطع لحجار وخمس سنوات من قيادة
الضابط"، (بقلم الحسين بن محمود عثمان).
وقد استوقفني عنوان المقال ليدفعني إلى قراءة ما
سطره كاتبه تحته من فقرات وجمل وكلمات.. كان ما لفت انتباهي في العنوان هو عبارة
"قيادة الضابط"، للحديث عن بلدية أو تجمع سكاني، مثل مقطع لحجار، كما لو
كان الأمر يتعلق بفيلق أو كتيبة أو وحدة عسكرية لها قائد يقودها، لا عمدة منتخب يسيرها!
هذه هي الملاحظة الأولية التي يثيرها عنوان كاتب
المقال، وتدفع أي أحد من أبناء هذه البلدية مثلي، إلى قراءته من الألف إلى الياء (من
اللام إلى الميم على الأصح)..فقد بدأ المقال بعبارة "لأول مرة"، وانتهى بعبارة
"منتخبيهم"، بحيث وضعه كاتبه بين حرفي اللام والميم (أداة نفي)! ولقدت خرجت
من مطالعة هذا المقال بثلاث ملاحظات رئيسية:
1ـ أساء الكاتب ـ ربما عن غير قصد ـ إلى سكان مدينة مقطع لحجار، حيث يتضح
من مقاله أن كل طموح هؤلاء يتوقف على وجود "عمدة شاب ينحدر من المؤسسة العسكرية"!
فقد ذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها شاب منصب عمدة مقطع لحجار.. ليست العبرة
ـ أخي الكريم ـ بعمر من يتولى التسيير، وإنما بما يتحقق من إنجازات على أرض الواقع،
وبما يفي بالالتزامات الانتخابية، وليس وجود عمدة شاب أو غير شاب غاية في حد ذاتها
أو هدفا يقاس بتوفير الماء الشروب، أو بناء مستشفى بكامل تجهيزاته وطواقمه الطبية،
أو منشآت تعليمية أو خدماتية أخرى. ثم جاءت الإساءة الأخرى عندما صور صاحبنا سكان مقطع
لحجار وكأنهم فيلق عسكري يأتمر بأوامره، وإلا فما سر التركيز على "خمس سنوات من
قيادة ضابط"؟
2ـ أساء الكاتب إلى رئيس الجمهورية، ربما عن غير قصد، عندما قارن إنجازاته
على مستوى موريتانيا كلها، ببعض الأعمال المحدودة جدا، التي قامت بها جهات حكومية وبعض
الشركاء على مستوى مقطع لحجار!ومنها تلك التي تشملها حصيلة إنجازات الرئيس. لكني لم
أفهم تماما ما قصده بمقارنة السيد العمدة الموقر برئيس الجمهورية.. هل قصد بذلك أن
الأخير رئيس وليس عمدة، أم أن الأول عمدة وليس رئيسا؟
3ـ أساء الكاتب، ربما عن غير قصد، إلى العمدة الذي حاول التطبيل له. فقد
أشار إلى أنه تخلى عن حزب "حاتم" وحلفائه "الإصلاحيين"، وهم من
رشحوه ودعموه وأوصلوه ـ بأربعة مستشارين ـ إلى منصب عمدة البلدية؛ فاتهمه ـ صراحة ـ
بنقض العهد وبممارسة الترحال السياسي، الذي أصدر الرئيس محمد ولد عبد العزيز تعديلا
دستوريا يقضي بمنعه، تنفيذا لنتائج الحوار الوطني الأخير، والذي عارضه حزب حاتم"
و "الاصلاحيون" (تواصل حاليا)..فضلا عن تذكيره بأنه شارك في محاولة انقلابية
فاشلة، كان ولد عبد العزيز ـ تحديدا ـ من قاد التصدي لها ونجح في إحباطها، وكرر تنديده
بها وانتقدها، حتى بعد توليه مقاليد السلطة في موريتانيا.. وغني عن البيان أن الانقلاب
بات ـ هو الآخر ـ جريمة بنص الدستور، ضمن إصلاحات تحسب ضمن إنجازات رئيس الجمهورية.
عرض الكاتب في مقاله (عدا عن الإساءات الثلاث أعلاه)
ما قال إنها "إنجازات" السيد العمدة. من ذلك الشارع الرئيسي، الذي تم إنجازه
ضمن مشروع تنجزه الدولة من خلال قطاع التجهيز والنقل، ولا يحسب للعمدة بأي حال من الأحوال..
اللهم إلا إذا كان منطق الكاتب يقضي بأن تسجل شوارع أحياء الترحيل في نواكشوط ضمن
"إنجازات" عمدة بلدية تناها، أو بير أم اكرين بأقصى الشمال!
كذلك أدرج الكاتب المسلخة الجديدة المزمع إنشائها
في مقطع لحجار ضمن "إنجازات العمدة"، مع أن ابسط مواطن في البلدية يعرف حقيقة
إنجاز المسلخة تم من خلال التعاون بين وزارة الداخلية ومشروع "ابركلس" لدعم
اللامركزية والتنمية المحلية؛ وهنا نشير إلى أن القطعة الارضية التي ستقوم عليها المسخلة
إشتراها العمدة من أحد ملاك الارض ، ليبيعها للمشروع بثمن مضاعف، كما يتجسد أيضا منطق
نسبة إنجازات الحكومة للبلدية، وفق نهج الخلط بين حصيلة رئيس الجمهورية وحصيلة العمدة.
لقد كان أحرى بكاتبنا "الموهوب" أن يعتمد
أسلوبا أكثر مصداقية وواقعية، فيقدم حصيلة عن واقع المنشآت والقطاعات التي تدخل في
صميم عمل البلدية، التي يستحيل تصويرها على أنها جمهورية"، مثلما يستحيل إيهام
الناس بإمكانية أي مقارن بين عمدة بلدية ورئيس دولة.
كان أولى به أن يلتمس أعذارا أو مبررات لصرف موارد
البلدية المالية التي تمت جبايتها على كاهل السكان الفقراء (ما دمنا أمام مقارنة بين
العمدة برئيس فقراء).
إن الحالة المزرية التي توجد فيها مدارس مقطع لحجار
أبلغ تعبير عن حصيلة مأمورية العمدة، حيث المدرسة رقم 3 عبارة عن ركام، والمدارس الأخرى
(5، 2، 1،4 ...) تعاني من أضرار مختلفة وتحتاج إلى ترميم وإصلاحات وتجهيز. وهذا أمر
لا علاقة له بانتماء العمدة للمؤسسة العسكرية سابقا، ولا دخل للفئة العمرية فيه.
ليس الانتماء للمؤسسة العسكرية دليل على دعم رئيس
الجمهورية أو عاملا وجيها لدعاء التقاطع معه في أي شيء. ذلك أن الرئيس الأسبق معاوية
ولد الطايع، الذي ينوه الكاتب بأن العمدة كان ضمن مجموعة العسكريين التي حاولت الإطاحة
به، كان عسكريا، ورئيس حزب "حاتم" صالح ولد حننا، الذي قاد تلك المحاولة
الانقلابية، والذي يعتز الكاتب بأن العمدة تخلى عنه، كان عسكريا.. ألا يعني ذلك ـ وفق
منطق الكاتب ـ أن العمدة يتقاسم نفس الخصال والصفات والأفكار مع ولد الطايع وولد حننا؟
أم أن البحث عن خيط ـ لا وجود له ـ يمكن أن يربط العمدة بالرئيس ولد عبد العزيز، أعمى
بصيرة صاحبنا وأوقعه في متاهة من التناقضات الصارخة المخلة؟
إن التقرب من الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا يتأتي
بغير التعبير عن إرادة السكان، وحمل همومهم، والاصطفاف معهم؛ فالمواطن هو من يستمع
إليه الرئيس ويعمل من أجله.. لكن ثقة المواطن لا تنال بالشعارات ولا الدعايات، وإنما
بصدق الالتزام والوفاء بالعهود.
نال عمدة بلدية مقطع لحجار ثقة السكان ـ قبل ست
سنوات ـ بفضل التفاف الشباب حول برنامج حلفائه الإصلاحيين ووعود حزب "حاتم"،
ولأن العمدة شاب مثلهم، رفع شعار تحقيق آمالهم وطموحاتهم.. ويتذكر هؤلاء كم خبت آمالهم
عندما ووجهوا بالقمع والاعتقالات، فكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز من أنصفهم وأمر
بإخلاء سبيل من اعتقلوا منهم.
أخير، أنبه حضرة "الكاتب"، إلى تناقض
خطير في مقاله، يعكس عدم توازن أفكاره وهشاشة معلوماته.. ففي عنوان مقاله يتحدث عن
"خمس سنوات" من قيادة الضابط؛ ثم نجده ـ داخل النص ـ يتحفنا بـ "معلومة"
تفيد بأن العمدة تولى منصبه منذ 2008"! وهنا يمنحه أربع سنوات فقط، علما بأن المجالس
البلدية الحالية انتخبت سنة 2006، أي قبل ست سنوات!